«بلح البحر» في المغرب
إقبال على «بوزروك» بعد أن اكتشفت فوائده «المقوية والمغذية»
| ||
|
الدار البيضاء: آمال أبو العلاء
باتت ظاهرة جمع «بلح البحر» أو ما يعرف في المغرب باسم «بوزروك» من طرف مجموعة من النسوة والشباب والصبية، أمرا مألوفا في المغرب، خاصة بعد أن أكتشف أن مكوناته الغذائية «مقوية ومغذية». وعادة ما يمضي باعة «بوزروك» يومهم في جمع بلح البحر بغض النظر عن تقلبات الطقس، يضعون سلعتهم داخل أكياس بلاستيكية في انتظار المشترين. ولم تعد الظاهرة وقفا على فصل الصيف، بل أصبحت تجارة رائجة طول السنة. تعتمد معظم الأسر المعوزة أو محدودة الدخل التي تسكن المدن المطلة على السواحل الأطلسية المغربية على تجار بلح البحر، وكثير من النسوة تعتبر بالنسبة لهن المورد الأساسي.
المصدر جريدة الشرق الاوسط
باتت ظاهرة جمع «بلح البحر» أو ما يعرف في المغرب باسم «بوزروك» من طرف مجموعة من النسوة والشباب والصبية، أمرا مألوفا في المغرب، خاصة بعد أن أكتشف أن مكوناته الغذائية «مقوية ومغذية». وعادة ما يمضي باعة «بوزروك» يومهم في جمع بلح البحر بغض النظر عن تقلبات الطقس، يضعون سلعتهم داخل أكياس بلاستيكية في انتظار المشترين. ولم تعد الظاهرة وقفا على فصل الصيف، بل أصبحت تجارة رائجة طول السنة. تعتمد معظم الأسر المعوزة أو محدودة الدخل التي تسكن المدن المطلة على السواحل الأطلسية المغربية على تجار بلح البحر، وكثير من النسوة تعتبر بالنسبة لهن المورد الأساسي.
يعد «بلح البحر» من أقدم الوجبات الغذائية التي تناولها سكان السواحل الأطلسية المغربية؛ حيث برعوا منذ زمن طويل في تجميعه وتنقيته وطهوه بشتى الأنواع، حتى ذاع صيتهم بين البحارة الذين كانت تغشى سفنهم الشواطئ المغربية قبل عدة قرون.
وكشفت حفريات عن وجود قواقع بلح البحر بكميات كبيرة في موقع «لالة هنية الحمرية» الأثري في مدينة آسفي جنوب الدار البيضاء؛ حيث اكتشفت طبقة جيولوجية عميقة تحت قبور مقبرة قديمة بجانب أوان فخارية ومطاحن حبوب حجرية تعود كلها إلى البدايات الأولى للعصر الإسلامي في المغرب. ويعود الفضل إلى سكان المحيط الأطلسي الأوائل في اختراع الملاعق المصنوعة من قواقع بلح البحر؛ حيث كانت تستعمل في تناول المأكولات.
حاليا تتجه النسوة في المدن الساحلية إلى جانب شباب عاطل وصبية نحو شواطئ المحيط الأطلسي، خاصة تلك الموجودة بين الرباط والدار البيضاء، لجمع أطنان من بلح البحر. يراقب هؤلاء المقبلون من الأحياء الفقيرة في ضواحي البلدات الشاطئية، أمواج البحر يوميا، وينتظرون تراجع المد في الصباحات، حتى يستطيعوا جمع أكبر كمية من بلح البحر.
عادة ما يلتصق هذا النوع من صدفيات البحر بالصخور القريبة من الشاطئ؛ حيث يجري جمعها بواسطة قضبان حديدية، بعد عملية جمع كيلوغرامات من بلح البحر، بعد نهار كامل وأحيانا يومين من العمل المضني، توضع الكمية داخل قفاف من السعف.
بعدها يأتي دور النسوة حيث يغسلن الكميات التي جمعت، وتوضع بعد ذلك لطهيها في برميل من أجل تسهيل عملية شقه الصدفة إلى نصفين؛ حيث تستخدم سكين عوض آلة القص الحديثة لكي يتم تقسيم كل صدفة إلى نصفين لاستخراج لحمها وعادة ما يكون لحم ذكور بلح البحر أبيض، ولحم الإناث برتقالي مائل للحمرة. ثم تعرض النسوة بعد ذلك لحم بلح البحر للمشترين حيث يباع بواقع خمسين درهم لكل كيلوغرام (ستة دولارات).
تقول زهرة الرحماني إحدى العاملات في جني بلح البحر، والتي كانت تعرض كيسا من بلح البحر قرب الطريق العام عند مدخل الدار البيضاء الشمالي، إنها ظلت تعمل يوما بكامله من أجل جمع تلك الكمية. مشيرة إلى أنها تمتهن هذه المهنة هي وابنها منذ عشر سنوات. وقالت أيضا إنها تتحمل مشقة كبيرة لاستخراج كميات قليلة من بلح البحر، بعد أن تجمع كميات كبيرة من الساحل الصخري، وفي نهاية المطاف يشتريها منها وسطاء بأبخس الأثمان؛ حيث يبيعونها بأسعار مرتفعة لمطاعم راقية في الدار البيضاء والرباط.
الراجح أن هناك فوائد كثيرة لتناول بلح البحر، إذ يحتوي على مواد مقوية ومغذية خاصة لهرمونات الذكورة، وبه نسبة عالية من الفسفور واليود والفيتامينات. ويجري تحضيره في عدة وصفات أشهرها «الطاجين» ويطلق عليها المغاربة «المقيلة»، وسبب هذه التسمية أن بلح البحر يطهى في مقلاة مع مجموعة من الخضر منها الطماطم والكرافس والثوم والبقدونس والقزبر وزيت الزيتون والفلفل الأحمر الحلو والحار والحامض المصبر واللفت. ويقبل على هذه الأكلة سكان السواحل الأطلسية في المغرب؛ حيث يحضرونها بكميات كبيرة وبشكل متكرر خلال الصيف، وهي الفترة المثالية لظهور بلح البحر على سطح الصخور البحرية. وهناك من يجفف بلح البحر تحت أشعة الشمس، بعد استخراجه من البحر، وهو ما يساعد الحفاظ عليه شهورا طويلة. وهذا النوع يباع كثيرا في محلات العطارة، خاصة في مدن الجنوب المغربي.
وإذا كانت تجارة بيع بلح البحر، تشكل مصدر عيش لعدد من الأسر المعوزة التي تسكن هوامش مدن السواحل الأطلسية، فإن هناك بعض المشاكل البيئية والصحية المرتبطة بهذه التجارة، وفي هذا الجانب يحذر علماء البيئة من أن جمع كميات كبيرة من بلح البحر له سلبيات على التوازن البيئي داخل البحر، ويرجحون أن يكون هناك سلبيات على الكائنات البحرية والأسماك من تناقص كميات بلح البحر. ويشير خبراء إلى أن بلح البحر يسهم في حماية البيئة البحرية؛ إذ إن الصدفيات تعمل على تصفية بعض المكونات البحرية وتقوم بتطهير المياه من خلال تثبيت بعض المعادن على سطح محارتها وتحسين العرض من علق البحر للأسماك والنباتات البحرية.
كما أن العاملين في مجال الصيد البحري بل وحتى الباعة والمستهلكين يؤكدون أن بلح البحر ومعه عدة أنواع أخرى من فواكه البحر، يتم استغلالها بطرق عشوائية، ولا تحظى بأي حماية صحية بيئية أو بيولوجية، ولا بفترات راحة بيولوجية حتى يمكنها أن تتكاثر باستمرار، كما هو الشأن بالنسبة للأسماك والرخويات، مؤكدين أن الكل يشارك في تدمير أماكن تجمع بلح البحر بطرق مباشرة أو غير مباشرة، كما أن بعضا منه يحتوي على مواد مضرة، وهو ما يتطلب عرضه على مختصين قبل استهلاكه. ولعل من المفارقات أن هذه المادة الغذائية الدسمة تبدأ رخيصة للغاية، بل وتجمع مجانا، وعندما تصل إلى أطباق المطاعم تصبح وجبة شهية لذيذة غالية الثمن.